“الماسونية هي جهاز خاص ومحدّد في الفلسفة، تُلَّقنُ وتُعرض من خلال وشاح الرموز”.

(نص طقسي قديم)

“إن الماسونية الرمزية ليست بوريثة الماسونية العملية. إنما هي امتداد لاستعمال أدوات البناء تحت شكل رمزي، نظري وفلسفي”.

1. الماسونية العملية

وُلدتِ الماسونية العملية مع ولادة تاريخ الإنسان، لحظة إدراكه لعملية التشييد والبناء. فيعود ماضيها الى ذاكرة الماضي البعيد الى كل الشعوب والحضارات القديمة المغمورة في الزمن، الى كل مَنْ عرف استعمال أداة أولية قد ابتكرها مع تطوّر فكره ووعيه.
إنما فعل التطوّر هذا، هو عنصر أساسي في الطبيعة البشرية منذ وجود الإنسان الأول، لأنّ ذاك الإنسان لم يتوقفْ يوما عن التقدّم والترقي في سلم الاكتشاف والفكر. ولمْ يرضَ أبداً بالإكتفاء لما قدْ وصل إليه، فنجده يطوق دوماً الى التحليق في فضاء مهندس الكون الأعظم ليقول له: ” إني أفكر، إذاً إني موجود”.
من الأهرامات الى هياكل روما، من معابد الصين الى الهند، من اليونان القديمة حتى الوصول الى القرون الوسطى، كانت الماسونية العملية، في أخوياتها البنائية المتنوعة، تنحت فكر الإنسان على كلّ حجر مُسْتلقٍ على قارعة الدروب، كان ليبقى خاماً مالمْ تُلمسْهُ يد البنّاء كما لمس الله حَفْنَة تراب فكان الإنسان.

الإنسان، الأداة والحجر معًا يؤلفـون ثلاثية متلاحمـة في وحدة غير قابلـة للإنفصـال.

2. الماسونية النظرية

 وتطوّرت الماسونية العملية في فنِّ البناء حتى وصلت الى أَوْجِ نموّها في القرون الوسطى مع ظهور الفن الغوطي في تشييد الكاتدرائيات.

كان علم الهندسة محور التطوّر يومها، وكوَّنتْ أخويات فنّ البناء مجموعات مغلقة سرية تمتلك أسرار فنّ البناء هذا، فتميّزت هذه المجموعات بحريتها في التنقل في أرجاء أوروبا من قبل السلطات، واستطاعت بهذا تشييد ما بقي لنا اليوم من جمال ورونق وفنٍّ في استعمال الحجر.

إنّ هذا الامتياز : “حرية التنقل” ، قد حثَّ البنّائين الى وضع دستور ونظام يجعلهم يتمتعون بحقوق خاصة بهم ويملي عليهم واجبات بالوقت عينه.

وكان وليم شاو  أول من وضع هذه المراسيم والأنظمة عام9951 ، فتأسس عندئذ ما يُسمى “بالمحافل” في شكلها المنظّم والهيكلي والإداري. ومن أهمية هذا الحدث، انه قد حصل في بلاد الإيكوس حيث كان العصر الذهبي آنذاك.

إنّ هذا التقدم والازدهار جعلا بعض الأشخاص من أصحاب الفكر والعلم، غير العمليين، يقتربون من المحافل العملية ويهتمون بما يملكون من معرفة في فن الهندسة فدخلوا عالمهم الخفيَّ المغمور بأسرار البناء.

هكذا تمَّ اول قبول لغير عملي في محفل إدمبورغ العمليّ عام9951 ، عندئذ، بدأ التفاعل المزدوج بين الفكر والعمل وتبعه فيما بعد العديد من مراسم القبول، مماكوَّن ما يسمى بالماسونية النظرية التي كانت ولادة المرحلة الانتقالية من الماسونية العملية الى الماسونية الرمزية، ذلك في بداية اقرن الثامن عشر.        

3. الماسونية الرمزية

دخل العديد من المفكرين وأصحاب العلم ومن الطبقة الأرستقراطية الى المحافل العملية وتعايشوا سوية ذلك منذ نهاية القرن السادس عشر وعلى مدار منتصف القرن السابع عشر، الى حين قرّر هؤلاء غير العمليين تأسيس محافل خاصة بهم تَضمّ النظريين فقط.

وهكذا، تمَّ فصل المجموعتيْن عن بعضهما . وفي خلال النصف الثاني من القرن السابع عشر، بدأنا نجد المحافل العملية تعمل في موازاة للمحافل النظرية وكلّ فئة تُتابع نشاطها الخاص بها، العملي من جهة والنظري من جهة أخرى. ولم تزلْ الأخويات العملية موجودة حتى يومنا، في فرنسا.

وانتشرت المحافل النظرية في منطقة شمال إنكلترا، أي بلاد الإيكوس، وصولاً الى جنوب البلاد الى لندن وضواحيها، مروراً بمدينة يورك.

عملت المحافل النظرية آنذاك على تبادل حرية الفكر في مجتمع كانت تغمره صراعات الطوائف المسيحية (الكاثوليكية والبروتستانتية والانكليكانية) في معتقداتها المختلفة، لكنَّ العقائدية كانت عاملها المشترك.

أما الَمنْفَذ الوحيد لرجالات الفكر، فكانت اللقاءات في الحانات، بعيداً عن الأنظار للتبادل اللاعقائدي والفكر الليبرالي.

4. الرمزية الماسونية

حافظت المحافل النظرية على أداة العمل التقليدية، ألاَ وهي أدوات البناء، وحوّلت مفهومها العملي الى نظري: فكانت الرمزية في الماسونية الحديثة.

إجتهد هؤلاء المفكرون ووضعوا بنية جديدة للأداة العملية. كان أساسها الأخلاق الإجتماعية، التأمل الروحي والفلسفي. كما استندوا أيضاً الى دساتير القدماء والمخطوطات التي كانت دعائم العمليين، واستخلصوا منها النواة التي ستتوافق مع البنية الحديثة.

هكذا بدأ التنظيم الرمزي الإداري في محافلهم وبدأْنا نرى أيضا ظهور رموز البناء في كتاباتهم وفي تزيين قاعات اجتماعاتهم (الحانات) وذلك قبل أن تصبح لاحقا هياكل محددة بعد المنتصف الاول من القرن الثامن عشر.

وتميّزت الرمزية للماسونية الحديثة بالمناهج الفكرية نتيجة إنتماء أصحاب المذاهب الفكرية اليها، كالعلم والروحانيات، الباطنية والصليب الوردي، الألْخيمية وغيرها. فاغتنت المحافل بالمعرفة وبخلاصة الفكر، كما وساهمت هذه الاخيرة في عصر النهضة الذي وجد أرضاً خصبة للتألّق والازدهار.

لقد ورثْنا هذه الرمزية الماسونية بغناها المتنوع حتى وصلت الى أعلى مستوى في التحليل والدراسة والخلاصة في نهاية القرن العشرين. فتماشت هذه الرمزية مع تطور الإنسان في المجتمع والعلم وكانت حاضرة في كل لحظة تقدم نحو الكمال البشري. 

تساعد دراسة الرمزيات، في الماسونية الحديثة، الماسوني في حياته، على كسب وفهم ما وراء الرسم والصورة. تدعه يدرك مفاهيم لاتراها العين إنما يُدْرِكها العقل من خلال الإجتهادات في تفسيرها. وذلك إستناداً الى دراسة النصوص الطقسية في المحافل وما اكتسبه الماسوني في حياته خارج المحفل. فما من رمزية إلا من خلال الطقس الماسوني، “كل شيء في الماسونية هو رمز“، وكل رمز هو فكرة، فبذلك يولد الفكر الماسوني.

5. الطقوس الماسونية

لكلِّ شعب طقسُهُ ولكلِّ حضارة طقسها وكل دين أو معتقد له طقسه. إنّ الطقوس في الماسونية هي مختصر التصرف والسلوك في المحافل وفي مختلف الدرجات الماسونية. ومع خضوعها للتنقيح البطيء عبر الزمن، إتخذت عمقاً في الرمزية مما استوجب فترة طويلة للإعتياد عليها ودراسة جديدة لتحليلها.

يتألف كل طقس من نص إذ يساعد في تحديد هوية هذا الطقس وتتميز الطقوس الماسونية بعوامل مشتركة وهي الرموز، ومراسم القبول والترقي، وتتحدد من خلال النصوص الطقسية، هدفها دراسة الأخلاق ومحاولة الإجابة على ما يلي:

 مَنْ نحن؟ مِنْ أين اتينا؟ الى أين ذاهبون؟

توالت عدة طقوس على الماسونية الحديثة، منها زال مع الوقت ومنها لمْ يزلْ يُمارس، على سبيل الذكر: الطقس الإيكوسي القديم المقبول، الطقس الفرنسي، الطقس الايكوسي المصحّح، الطقس اليوركي، الطقس الانكليزي.

 تتشارك جميع هذه الطقوس بوحدة دراجاتها الثلاث الأولى الرمزية: المبتدئ الشغال والأستاذ. إنما تتميز الطقوس هذه بسلَّمها في الدرجات العليا، أي من الدرجة الرابعة وما فوق. فبحسب عدد درجات السلم الطقسي تحدد هوية وبنية الطقس.

وكانت ممارسة الماسون الأوائل، في بداية الثامن عشر وقبل ظهور مختلف هذه الطقوس، محصورة في “الطقس الماسوني”، لا غير.

ولتنظيم شؤونهم، فقد لجأوا إلى وضع دستور يحدد تصرف الماسون في المحفل ودعي “بواجبات الماسوني” والمعروف بدستور أندرسون، عام 1723

بعد تأسس أول بنية إدارية تحت إسم المحفل الأكبر الانكليزي عام 1717 والإنتقال من ممارسة محفلية مستقلة الى ممارسة محفلية منتظمة ضمن إدارة محفل أكبر، فقد أجتهد فريق عمل، برئاسة جايمس أندرسون لوضع دستور، يضمن من خلاله انطلاقة جديدة لماسونية جديرة بالتطور والتنظيم

هكذا، وبعد ظهور هذا الدستور الشهير، بدأت المحافل المستقلة تنضمُّ الى السلطة الجديدة، وهي المحفل الأكبر، وكان عددها بالمئات. 

6. دستور أندرسون

تميّز الدستور الماسوني بدعوة شاملة الى جميع الماسون الرمزيين لممارسة ماسونية علمانية بعيدة عن الصراعات الطائفية المحلية. وهو بمثابة مرجع رئيسي ووحيد لكل الدساتير الماسونية اللاحقة.

يتألف من ثلاثة اقسام: التاريخي، الانضباطي و اناشيد موسيقية ماسونية.

وتنص المادة الأولى منه على ما يلي في: “الله والدين“:

“يتوجب على الماسوني أن يلتزم بإطاعة القوانين الأخلاقية، وإذا أدرك جيداً “مفهوم الفن”، لن يكون ملحداً غبياً ولا طائشاً بلا دين. لكنه في الازمنة القديمة، كان يتوجب على الماسون أن يكونوا في كل بلد من دين هذا البلد أو الأمّة، أياً كان هذا الدين. فاليوم اعتُبر إنه من الملائم إلزامَهم فقط بهذا الدين الذي يتوافق عليه جميع الناس، تاركين لكل فرد آراءه الشخصية الخاصة، يعني أن يكونوا رجالاً خيّرين صادقين أو أناس شرف واستقامة، مهما كانت طوائفهم وايمانهم الديني الذي يميزهم.

وبالتالي، تصبح الماسونية “محور الوحدة” ووسيلة لعقد صداقة مخلصة بين الناس الذين كانوا في الممكن أن يبقَوْا على بعد ابدي.”

7. المحفل

أن عبارة “محفل” تعني المكان الذي يجتمع فيه الماسون أو مجموعة الماسون. والمحفل هو الركيزة الاساسية لوجود الماسوني. فلا يمكن للفرد الإنتماء الى الماسونية إلا من خلال جهاز محدد ألا وهو المحفل.

عندما يفقد الماسوني عضويته (باستقالة او بطرده) يفقد بالوقت عينه هويته الإدارية وانتماءه الماسوني.

يتكوّن المحفل من أستاذ محترم وهو الذي يترأس إدارته، وتعاونه مجموعة ضباط، إذ يتراوح عددهم بحسب ممارستهم للطقس. على المحفل أن يحافظ على دستور اندرسون، دستور محفله الأكبر الذي ينتمي اليه وعلى نظامه الداخلي.

ترتكز حياة المحفل على التنظيم الإداري والطقسي الرمزي معا.

يجتمع الماسون في مكان مغلق بعيد عن الأنظار، ليس لأنّ الماسونية سرية، بلْ ليؤمِّنوا الإنتقال من العالم الخارجي الى العالم المساري الرمزي. يتألف المحفل من الإخوان المبتدئين، الشغالين والأساتذة. وان درجة أستاذ تعتبر أعلى درجة ماسونية، ومن خلالها يحصل الماسوني على كل حقوقه القانونية. إنها الدرجة الوحيدة التي تؤهل الماسوني ليترأس المحفل الرمزي او لينتخب أستاذاً أعظم للمحفل الأكبر الذي ينتمي اليه.

وتتوزع الأدوار والمهام الادارية بين ضباط المحفل. فهناك المراقبان، الأول والثاني اللذيْن يهتمان بالإخوان والأخوات الشغالين والمبتدئين، في تثقيفهم وحثِّهم على البحث في الطريق المساري الرمزي وفي الثقافة الماسونية.

الخطيب لحفظ القوانين، أمين السر لذاكرة المحفل، أمين الصندوق للشؤون المالية، الخبير للشؤون الطقسية والمراسم، أمين الحسنات للتعاضد، الأستاذ التشريفاتي لمراسم الإستقبال والحارس لحماية الباب.

والحارس ما هو إلا الأستاذ المحترم الذي قد أنهى فترة الرئاسة، فيترك مركزه ويصبح حارساً. بذلك فإنّه يقدّم للإخوان والأخوات مَثَل التواضع من أعلى مركز سلطة إلى أدنى مركز سلطة في إدارة المحفل.

لا يمكن لأستاذ المحفل (أي الرئيس) أن يمارس سلطته على أعضاء محفله خارج الهيكل. إنما تربطهم فقط الأخوّة والإحترام. أن السلطة الماسونيّة هي سلطة إدارية طقسية فقط وليست شخصية.

8. السلطة الماسونية

تتألف السلطة الماسونية من اتحاد محافلها الرمزية وهي تعمل طقسياً بالدرجات الثلاث الاولى. تسمى هذه السلطة بالمحفل الأكبر الذي يمارس طقساً واحداً أو بالشرق الأكبر الذي يمارس عدة طقوس مختلفة.

يترأس السلطة هذه أستاذ أعظم ويعاونه ضباط عظام يتم انتخابهم من قبل المحافل، ضمن جمعية عمومية. ويُعيَّن مفتشون عظام من بين الضباط ليراقبوا عمل محافلهم. ولكل محفل أكبر أو شرق أكبر سلطة أخرى تابعة له طقسياً. إنها تهتم بممارسة الدرجات العليا للطقس الذي يمارسونه. وبحسب الطقس، تأخذ هذه السلطة تسميتها. فيمكن عندئذ للإخوان الأساتذة أن يتابعوا طريقهم المساري ويتقدموا في دراسة الرمزيات عند تَرَقّيهم الى ما فوق الدرجة الثالثة.

ويجب القول هنا بان السلطة العليا للدرجات وسلطة المحفل الأكبر متكاملتان طقسياً ولكنهما منفصلتان إدارياً. فلا توجد سلطة لأصحاب الدرجات العليا في المحافل الرمزية للدرجات الثلاث الأولى.

9. الممارسة الماسونية

توجد، وذلك منذ نهاية القرن التاسع عشر ممارستان ماسونيتان، الثانية هي مختلطة، حيث النساء والرجال يمارسون ماسونية في محفل مشترك، والثالثة نسائية حيث النساء وحدهنَّ يمارسْن الماسونية في المحفل. طبعاً لكلّ منها سلطتها وهويتها وادارتها.

هكذا تنوعت الممارسة تحت اشكالها الثلاثة: ذكورية، مختلطة ونسائية. لكن جميعها تمارس الطقوس نفسها وبالطريقة ذاتها في المفاهيم والمبادئ. وفرنسا هي الأولى التي ساهمت بإنشاء هذا التنويع. فمنذ عام 1774، أقرّ الشرق الأكبر الفرنسي (1726) وجود محافل في جهازه وتسمى “محافل بالتبني”. أي محافل نسائية تعمل تحت إشراف مندوب من قبل الشرق الأكبر الفرنسي. وفي عام 1894، تأسس أول محفل مختلط في فرنسا. ومن خلاله، ولدت سلطة:

Ordre Maçonnique Mixte International – Le Droit Humain

وفي عام 1952، تأسس المحفل الأكبر النسائي الفرنسي وهكذا انتشرت الممارسات المتنوعة في العالم

01. الإنتماء

إداريا: يقوم الطالب (الذي يطلب الدخول) بتقديم رسالة الى المحفل يوضح فيها هدف انتمائه وأسبابه، بعدما يكون قد حضَّره أحد الإخوان/الأخوات من معارفه ويقوم هذا الأخ/الأخت بدور العرّاب.

بعدها يقوم المحفل بتعيين ثلاثة محققين أساتذة، وكل على حيدة، يجتمعون بالطالب ليدوّنوا أفكاره الخاصة في الفلسفة، الإجتماعيات والروحانيات، وذلك دون التدخل بحياة الطالب الخاصة.

بعدها، تُقرأ هذه التحقيقات الثلاثة في جلسة طقسية ويتمُّ التصويت عليها. وبعد إيجابية التصويت، يقوم المحفل بدعوة الطالب الى جلسة تسمى “المرور تحت العصبة”. فيتقدم الطالب معصوب العينيْن ويدخل المحفل ويجاوب على اسئلة عامة ومباشرة من قبل الاخوان الحاضرين. بعدها، واذا تمَّ قبوله بالتصويت، يُستدعى الطالب من جديد الى جلسة طقسية لاحقة، لتتم فيها مراسم استقباله بحسب النصوص الطقسية الرمزية. عند نهاية المراسم، تُعطى للطالب صفة أخ/أخت ويرتدي مئزره الرمزي. فيصبح ساعتها مبتدئاً ماسوناً منتظماً.

يُمارس المبتدئ نشاطه الماسوني المحفلي لمدة سنة زمنية ومِنْ ثمَّ، وبعد تقديم لوحة عمل للترقية، يتم قبوله في صفوف الشغالين. وبعد سنة أخرى وبالمبادرة ذاتها، يقدم الشغال لوحة عمله لدرجة أستاذ ليتمَّ قبوله في صفوف الأساتذة. ويرتدي عندئذٍ مِئزَر الأساتذة ووشاح الفروسية.

انما شرطية الإنتماء للطالب هي أن يكون حراً، ذا أخلاق حسنة. ويمتلك أيضا الثقافة الأساسية والإنفتاح الفكري اللاعقائدي ليتمكن من فهم الرموز والممارسة الطقسية.

11. المبادئ

تدعو الماسونية الحديثة في تعاليمها الى ممارسة الفضيلة واحترام حرية المعتقد. إنها مؤسسة بشرية فلسفية تقدمية.

بشرية: يعني إنها تهتم بالإنسانية. فلسفية: أي إنها تهتم بالمعرفة والحكمة، وتقدمية: يعني إنها لا تحصر في الماضي.

للماسونية أداة: البحث عن الحقيقة (وهي الحقيقة الشخصْيّة لكل فرد إذ ليس هناك من حقيقة مطلقة تفرضها الماسونية على أفرادها)، ودراسة الأخلاق وممارسة التعاضد.

تعمل الماسونية على التحسين الأخلاقي، على الإتْقان الفكري والإجتماعي للإنسانية. انها تعتبر أن الإدراك الماورائيِّ هو بمثابة حقٍّ حصريٍّ في الرأيّ الشخصيّ لأعضائها، فهي ترفض كلَّ تأكيد عقائدي.

من مبادئها، التسامح المتبادل، إحترام الآخرين والذات، حرية المعتقد المطلقة.

شعارها: حرية، مساواة، إخاء.

21. السرّ الماسوني

إنّ هدف الماسونية هو “البحث عن الحقيقة”، مما يؤدي ذلك الى البحث الماورائي المطلق. وفي الوقت عينه، إنّ الماسونية خالية من أيّة عقيدة، وإن فهم المطلق الانطولوجي (علم الكائن) متعلق بالفرد نفسه.

 فكيف إذاً يمكننا أن نوفق بين هذا التناقض الظاهر مع الفرد والمطلق؟

ها هو السر الماسوني، سر الطريق المساري.

انه طريق الى حد كبير حدْسيٌّ. وهذا هو السبب الذي جعل الماسونية تستعمل رموزا بغية إحداث هذا التنوّر. ويُفسَّر هذا المنهج القياسي للطريق المساري إذ هناك في الماسونية لغة الصمت والكتمان في الموجبات.

وقد باتَ هذا الأمر غير مفهوم، فالسر الماسوني هو في الواقع سرٌّ طبيعيٌّ رمزي ومساري.

فإننا ندعو القارئ الى عدم الوقوف أمام بعض المطبوعات حيث أنها تكشف عن أسرار الدرجات. وقد يعتبر القارئ إنه بذلك قد اكتشف السر الماسوني في قسم “التعليمات الماسونية”. بيد أن هذا الإكتشاف قد حصل سابقاً لاول مرة عام 2271، ومنذ ذلك الحين قد توالت مئات الإفشاءات النصّية. فلمْ تعُدْ هنالك في الحقيقة أية أسرار ماسونية مخفيّة عن المجتمع. يكمن السر في مراسم القبول، إذ يشعر الإنسان بتفاعلات نفسية خاصة به لا يمكن أن يحددها، بل إنه يعيشها وستبقى منحوتة في ذاكرته مدى حياته.

31. القَسَم

كما في أي مجتمع ملتزم، يلتزم الماسوني بتأدية قسم عند دخوله المحفل لأوّل مرة، كما في كل مرة يترقّى فيها الى درجة أعلى.

أن هدف هذا القسم هو الإلتزام بشرفه وبأخلاقه، أن يحافظ على تعاليم درجته. ويُبرمُ القسم أمام سدّة القسم في المحفل، عند أقدام الشرق. على هذه السدة، يوضع كتاب القانون المحترم، وهو كتاب يحدّده المحفل ويمكن أن يكون: الكتاب المقدس، الإنجيل، القرآن، دستور اندرسون، الكتاب الأبيض أو أي كتاب خُلقي يراه المحفل مناسباً. فالهدف ليس القسم على دين أمام الله من خلال الكتاب الديني، إنما هو القسم على الشرف أمام ذاته، إخوان وأخوات المحفل من خلال الكتاب الذي نعتبره بالأصل كتابا دينيا. فالإيمان يخصُّ كلَّ منَّا ولا يحقّ لنا أن نضعَه أمام التجربة. والكتب الدينية التي ذُكرتْ، ما هي إلاَّ كتب أخلاقية إنسانية تاريخية. لقد تأسّست الماسونية الرمزية على حرية المعتقد والتسامح واحترام القانون. فمن هذا المنطلق، إننا ندرس رمزيات هذه الكتب ونغتني بها، والوفاء لها هو باحترامها.

أما مفهومها الديني فلا يُعالج في المحافل إنما في مراكزها الدينية المختصة وذلك مع أصحاب العلاقة القيّمين عليها من رجالات الدين والعلماء.

واننا نذكِّر بأنه تُمنع مناقشة الأمور الدينية والسياسية في المحفل وذلك إستناداً لدستور اندرسون وكل دساتير السلطات الماسونية في العالم. ذلك بغية احترام رأي ومعتقد كلِّ شخص.

41. المحفل: “مختبر فكري”

منذ المرحلة الإنتقالية (نهاية القرن السادس عشر وبداية القرن الثامن عشر) حتى بداية الماسونية الحديثة (7171)، كانت حياة المحفل مبنيّة على الإجتهادات الفكرية، طبعا لأن الماسونية الرمزية أداتها الفكر لا العمل اليدوي.

 وعلى مدار القرن التاسع عشر، إزدهرت المحافل في الإنتاج الفكري خاصة بما يتعلق بالإنسان والمجتمع. وخلاصة هذه الإجتهادات مدوّنة في المراجع المختصة، وقد نراها نتيجة بروز العلماء والمفكرين من أصحاب الأدب والعلم واللغة والطب والموسيقى والفلسفة وعلم الإنسانيات.

ومع تقدم الإنسان في المجتمع نتيجة الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر والثورة العلمية الفكرية في القرن العشرين، نجد أنَّ المحافل عاشتْ زمنها وظروفها في تطوير الحاضر. فلعبت المحافل دوراً أساسياً وملموساً إذْ أنَّ الإخوان والأخوات نقلوا خارج الهيكل ما بدأوه في الداخل.

يأتي الماسون الى المحافل لا ليشاهدوا الآخرين يفكرون، بل ليجتهدوا هم فكرياً. فالنص الطقسي والحياة الجماعية في المحفل يحثّان الماسونيِّ على الرياضة الذهنية في حالة مستمرة. فإمَّا أنْ يستمِّر هذا الأخير بالتقدم المتواصل وإمَّا يجد نفسه مستلقيا على كرسي الخمول، فيهرب منه عندئذ الإندفاع باحثاً عن جسد حي آخر قابل للمثابرة.

ويمارِس الماسوني هذا النشاط المحفليّ فكرياً مرّتين في الشهر، ومرة اضافية خارجه، للمبتدئين مع المراقب الثاني وللشغالين مع المراقب الاول ليعملوا سوية على تنمية الثقافة الماسونية والدراسة الطقسية والتعاليم.

51. الماسونية في لبنان

دخلت الماسونية الى لبنان عام 0681 من خلال الشرق الأكبر الفرنسي (6271) والذي أسّس له عدة محافل رمزية. واستمرت هذه الاخيرة بالعمل حتى عام 1691 (أرشيف الشرق الأكبر الفرنسي).

ثم عاد الشرق الأكبر الفرنسي ثانية وأسس له محفلين عام 7991.

أما في بداية القرن العشرين فقد ظهرت المحافل الكبرى المحلية وكما دخلت سلطات أجنبية أخرى وأسست بدورها محافلها في لبنان. تفاعلت جميع هذه المحافل بشكل متناغم لصالح الماسونية عامة وللإنسان خاصة.

بَيْدّ أنَّ استقلال لبنان دفع الى إستقلالية المحافل المحلية.

وبدأنا نجد سلطات ماسونية لبنانية مستقلة وأولها الشرق الأكبر اللبناني. وازدهر لبنان ماسونيا نتيجة الغنى الفكري لرجالات العلم والمجتمع الذين دخلوا الى المحافل، وقد دُوِّنَتْ اسماؤُهم في عدة مراجع عامة وفي متناول الجميع. ولم يتوقف العمل الماسوني المحفلي في لبنان إلا أثناء الحروب الكبيرة. واليوم فان الماسونية في لبنان هي ماسونية ناشطة ومثمرة ولم تزل حاملة مشعل الأخوة والتعاضد والإنفتاح لتقاليد يعود تاريخها الى مئات السنين.

وتتبادل اليوم المحافل الوطنية والمحافل الأجنبية العلاقات الأخوية أو الإدارية فيما بينها، كما أنّ انفتاح ماسونية لبنان على ماسونية العالم قد ساهم في نموها وغناها. 

61. فقدان العضوية في المحفل

إنه من الصعوبة الدخول الى الماسونية ولكنه من السهل الخروج منها”.

أن شروط الإنتساب الى الماسونية محددة ودقيقة، وهي خطوة يقوم بها الفرد من تلقاء ذاته وبإراداته الحرة. اذاً إنه التزام حُرٌّ. ومثلما الإنتساب هو قرار فان قرار الخروج من الماسونية هو أيضا حُرٌّ.

فاستقالة الأخ هو فعل شخصي يقوم به الماسوني لأسباب شخصية. فإنه يقدم رسالة الإستقالة الى الأستاذ المحترم. ولا تُقبلُ استقالته الاَّ اذا كان قد سدَّد هذا الأخ كلّ متواجباته المالية لأمانة صندوق المحفل.

والحالة الثانية تسمى “بالرقود“. فإنه طلب يقدمه الماسوني للأستاذ المحترم ويطلب فيه رقود نشاطه المحفلي لأسباب شخصية. وفترة هذا الرقود لا تتجاوز السنة. عليه بعدها الإلتزام ثانية بالممارسة المحفلية. وليُقبلَ طلب الرقود هذا على الماسوني أن يسدِّد كلّ متواجباته المالية لامانة صندوق المحفل.

والحالة الثالثة هو “الطرد“. لأسباب جوهرية يقوم المحفل بطرد أحد الإخوان/الأخوات إذا كان هذا الأخير قد خالف النظام أو قدْ قام بتصرفات غير لائقة، ساعتها وبعد عدة محاولات تصحيح يستطيع المحفل أن يقرر طرد الأخ/الأخت وذلك بموافقة مجلس ضباط المحفل. ولا يحقُّ للاخ/الأخت المطرود أن يعاود تقديم انتسابه الى المحفل نفسه أو للمحفل الأكبر الذي كان قد انتسب اليه. عندما يترك الماسوني محفله، مهما كانت الطريقة، فلا يفقد صفته الماسونية المسارية. لان الاختبار المساري وحده هو الذي يعطيه هذه الصفة.

إنما يفقد صفته الإدارية أي هويته الماسونية بعدم تسجيله في سجلاته المحفل السنوية والحصول على بطاقته العضوية.

71. لماذا يقرر الانسان دخول الماسونية؟

بعد بلوغه الحادي والعشرين من عمره، يُمكنُ للانسان أن يقوم بالخطوة الاولى ويطرق باب المحفل. فدخول الماسونية ليس له عمر معيّن. انّ شرطية الدخول راسخة من قناعة كلِّ شخص في المبادئ العامة للماسونية، في ارادته للعمل الجماعي المطلق لا الفرديّ، في الرغبة بالقراءة والكتابة والبحث في تعاليم الماسونية ورمزياتها واخيرا في التزامه في الممارسة بصدق.

أن هذه الشروط مبنيّة على جدّية حماسه وعلى إنتاجه الفكري الشخصي. لدى كلِّ انسان حشرية، وهي من طبيعته البشرية. فان كانَتْ إيجابية، ستساعده في التقدم الذاتي، وان كانت سلبية غيرَ بنَّاءة فلَنْ يكونَ له مكانه بين الاخوان والأخوات، لانه عاجلا ام آجلاً سيترك المحفل من تلقاء نفسه.

فعمَّ يبحث الانسان في الماسونية؟ وهل هي ضرورية؟

يعمل الماسوني منذ دخوله المحفل على تنمية فكره، ذلك من خلال تمارين الفكر الماسوني الرمزي. فالدراسة الرمزية والاجتهاد على الذات، من خلال النصوص الطقسية التي تدعو الماسوني الى التقدم اكثر فاكثر في طرق الوعي الذاتي، يجعلان الماسوني يكتسب تنويرا في حياته الفكرية والفلسفية وذلك دون المسِّ بقناعته الدينية التي لا تدخل ولا تشارك في تطوّره الفكري المحفلي، لانَّ المعتقد هو خاص بالفرد. فوحده الإنسان يمكنه تقييم وتحديد اعتقاده. أن الماسونية لا تتدخل في الشؤون الخاصة واهمها اذاً المعتقد.

وجواباً على السؤال لماذا يقرر الإنسان دخول الماسونية؟ وعم يبحث فيها؟

فإنها أسئلة لأِجوبة خاصة، لا أحد يستطيع الإجابة عليها. فالبحث عن الحقيقة في الماسونية هو الدخول الى الذات ، الى الأعماق وإزالة غشاء الجهل والتعصب حتى يتمكن عندئذ الإنسان من العودة الى الحقيقة وممارسة ما هو مقتنع به. فيما أنَّ الماسونية  لا تفرض اية حقيقة على الماسوني، و على الماسوني بدوره ألاَّ يفرض شيئا على أخيه الإنسان. أمَّا ضرورة الانتماء الى الماسونية: “لن يستطيع الإنسان أن يجد جوابا لتساؤلاته إلا إذا اصبح هو بدوره ماسوناً، فما عليه إلا أن يقرّر!

عاشتِ الماسونيّة منذ القِدَمِ حتّى يومِنا الحاضرِ، و الملايينُ من الماسونيّين قد توالَوْا على محافِلِها و لمْ تَزَلْ مستمرّةً دونَ عناءٍ لأنّها مؤسّسةٌ تقدميّةٌ، لا تدعُ حدوداً للبحثِ في كيفيّةِ تطوّرِ الفكرِ البشريّ.

إذاً، أنّها ضروريّةٌ إذا أردناها حاجةً تساعدُ الإنسانَ البشريَّ.  

__________________________________________